#إفـادة_مـصـريـة
معنى العبارة: أن الجسم المفرد كما هو بالحس متصل ليس بمنقسم، كذلك البرهان أثبت أن الجسم المفرد متصل ليس بمنفصل في نفس الأمر.
هذا، وعند القدماء مصداق الجسم المفرد هي العناصر الأربعة: التراب والماء والهواء والنار، وهي البسائط التي تتركب منها المركبات المسمَّاة بالمواليد الثلاثة: المعدن والنبات والحيوان، ولمَّا كان مصداق الجسم المفرد العناصر الأربعة، حكموا بعدم انقسام العناصر الأربعة، لأن: كل من التراب والماء والهواء والنار جسم مفرد، وكل جسم مفرد لا ينقسم، فكل من التراب والماء والهواء والنار لا ينقسم.
[هل أبطل المحدثون كون الجسم المفرد لا ينقسم أم كون مصداق الجسم المفرد لا ينقسم؟]
" اعلم أن إبطال المحدثين لمذهب القدماء ليس هو من جهة الكبرى، أي القضية الكلية الحقيقية: «كل جسم مفرد لا ينقسم»، بل هذا ما قام عليه البرهان، وما قام عليه البرهان لا يمكن أن يُرد بالتجربة، بل إبطال المحدثين لمذهب القدماء هو من جهة الصغرى، أي القضية الخارجية: «كل من التراب والماء والهواء والنار جسم مفرد»، أي أن مصاديق الجسم المفرد ما هي؟ قال القدماء: هي العناصر الأربعة، هذا الذي أبطله المحدثون، فالخلاف في تعيين مصداق الجسم المفرد، مثلًا القدماء ذهبوا إلى أن مصداق الجسم المفرد الذي هو لا ينقسم هو الماء، فجاء المحدثون وأثبتوا أن الماء ينقسم، حيث أثبتوا أن الماء مركب من جزئيات، والجزئيات مركبة من ذرات، والذرات مركبة من إلكترونات وبروتونات إلخ، فالخطأ عند القدماء هو خطأ مصداقي لا خطأ كلي، فما توهّمه القدماء –من أن الماء واحد بسيط وهو مصداق الجسم المفرد– ثبت بطلانه، فليس الماء بعنصر، بل الماء مركب من عناصر (هيدروجين وأوكسجين)، فالاشتباه وقع في مصداق العنصر (مصداق الجسم المفرد)، ولم تبطل القضية الكلية: «الجسم المفرد واحدٌ متصل».
فبحسب الطبيعيات الحديثة يكون في كلام الشيخ إشكال، أي في أن الجسم المفرد في نفس الأمر هو كما هو عند الحس، وليس كذلك، ففي كلام الشيخ خطأ متعلِّق بكون ما ثبت في نفس الأمر هو كما هو في الحس؛ لأن ثبت أن الذي في الحس مركب من ذرات وإلكترونات غير محسوسة بالحس الساذج، بل بعض هذه الجسيمات لا يُرى بالمجهر، وإنما يُعرف من قبل آثاره.
والحاصل أن قضية: «الجسم المفرد واحد متصل» هي قضية صحيحة لم تبطل ولن تبطل، بل تبقى ما بقي الدهر، لأن البراهين على إبطال الجزء الذي لا يتجزأ قاطعة كلية واضحة وغير قابلة للخدش [ممن أنصف واعتدل، فلا كلام مع ذي الطبع البليد وذي الطبع الجربزي]، نعم، أدلة القدماء المأخوذ فيها العناصر الأربعة هي أدلة باطلة غير صحيحة، ولكن لا يلزم بطلان غير تلك الأدلة، فالذي بطل هو نفس الصغرى، أي أن هذا التراب –أو الماء أو الهواء أو النار– هو الجسم المفرد، بينما كون الجسم المفرد هو في نفس الأمر متصل وليس بمركب من أجزاء فلم يبطل.
يبقى أن مصداق الجسم المفرد ما هو؟ والفلسفي من حيث هو فلسفي ليس معنيًّا بذلك، بل يجعل ذلك على عهدة المجرِّبين، فيتسلّم من المجرِّبين ما ثبت بالتجربة، سواء كان الماء أو الجزئيات أو الإلكترونات أو الذرات أو الفوتونات إلخ، هذا الأمر لا يعني الفيلسوف من حيث هو فيلسوف، ولكن يعتبر ما اُكتشف بالتجربة، أي يتسلَّم ما ثبت بالتجربة كأصول موضوعة، إذ التجربة معتبرة، أما نفس القضية الكلية الحقيقية فهذه قضية صادقة ولا يمكن أن تُخدَش. "