ك، فقولك: "اللّطيف الخبير" فسّرْه لى كما فسّرتَ "الواحد"، فإنّى أعلم أنّ لطفه علي خلاف لطف خلقه للفصل، غير أنّى اُحبّ أن تشرح لى ذلك. فقال: يا فتح، إنّما قلنا: اللطيف للخلق اللطيف، و لعلمه بالشى ء اللطيف و غير اللطيف، و فى الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من البعوض و الجرجس و ما هو أصغر منها ما لاتكاد تستبينه العيون، بل لايكاد يستبان لصغره الذّكَر من الأنثى و الحدث المولود من القديم، فلمّا رأينا صِغَر ذلك فى لطفه و اهتداءه للسفاد و الهرب من الموت و الجمع لما يصلحه ممّا فى لجج البحار و ما فى لحاء الأشجار و المفاوز و القفاز و فهم بعضها عن بعض منطقها و ما تفهم به أولادها عنها و نقلها الغذاء إليها، ثمّ تأليف ألوانها حُمرةً مع صُفرة و بياضها مع خضرة و ما لاتكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها و لاتراه عيوننا و لاتلمسه أيدينا علمنا أنّ خالق هذا الخلق لطيفٌ لَطُف فى خلق ما سمّينا بلاعلاج و لاأداة و لاآلة، إنّ كلّ صانع شى ء فمن شى ء صنعه، و الله الخالق، اللّطيف، الجليل، خلق و صنع لا من شى ء. ۵- المفيد قال: أخبرنى الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوى الحسينى الطبرى قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِمْيَرى عن أبيه عن أحمد بن محمّد بن عيسي عن مروك بن عبيد الكوفى عن محمّد بن زيد الطبرى قال: سمعت الرضا علىّ بن موسي عليه السلام يتكلّم فى توحيد الله سبحانه فقال: أوّل عبادة الله معرفته و أصل معرفة الله عزّوجلّ توحيده و نظام توحيده نفى التحديد عنه، لشهادة العقول أنّ كلّ محدود مخلوق و شهادة كلّ مخلوق أنّ له خالقاً ليس بمخلوق، الممتنع من الحدث هو القديم فى الأزل فليس الله عبد من نعت ذاته و لاإيّاه وحّد من اكتنهه و لاحقيقته أصاب من مثله ولا به صدق من نهاه و لاصمد صمده من أشار إليه بشى ء من الحواسّ و لاإيّاه عنى مَن شبّهه، و لا له عرف من بعّضه ولا إيّاه أراد من توهّمه كلّ معروف بنفسه مصنوع، وكلّ قائم فى سواه معلول، بصنع الله يستدلّ عليه وبالعقول تعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجّته. خلقه تعالي الخلق حجاباً بينه و بينهم، و مباينته إيّاهم مفارقته لهم، و ابتداؤه لهم دليل علي أن لاابتداء له: لعجز كلّ مبتدأ منهم عن ابتداء مثله؛ فأسماؤه تعالي تعبير، و أفعاله سبحانه تفهيم، قدجهل الله تعالي من حدّه، و قدتعدّاه من اشتمله و قدأخطأه من اكتنهه، و من قال: "كيف" هو؟ فقدشبّهه، و من قال فيه: "لِمَ"؟ فقدعلّله، و من قال: "متي "؟ فقدوقّته، و من قال: "فيم"؟ فقدضمّنه، و من قال: "إلى مَ"؟ فقدنهّاه، و من قال: "حتّي مَ"؟ فقدغَيّاه، و مَن غيّاه فقدجزّأه و من جزّأه فقدألحد فيه. لايتغيرّ الله تعالي بتغير المخلوقات و لايتحدّد بتحدّد المحدود، واحد لابتأويل عدد، ظاهر لابتأويل المباشرة، متجلّ لاباستهلال رؤية، باطن لابمزايلة، مباين لابمسافة، قريب لابمداناة، لطيف لابتجسّم، موجود لاعن عدم، فاعل لاباضطرار، مقدّر لابفكرة، مدبّر لابحركة، مريد لابعزيمة، شاءٍ لابهمّة، مُدرِك لابحاسّة، سميع لابآلة، بصير لابأداة، لا تصحبه الأوقات، ولاتضمّنه الأماكن و لاتأخذه السّنات و لاتحدّه الصفات و لاتفيده الأدوات. سبق الأوقاتَ كونُه و العدم وجودُه، و الابتداء أزلُه، بخلقه الأشباه عُلم أن لاشبه له، و بمضادّته بين الأشياء عُلم أن لاضدّ له، و بمقارنته بين الأمور عُرف أن لاقرين له، ضادّ النور بالظلمة و الصرّ بالحرور، مؤلّف بين متباعداتها، و مفرّق بين متدانياتها، بتفريقها دلّ علي مفرّقها، و بتأليفها علي مؤلّفها، قال الله عزّوجلّ (و من كلّ شى ء خَلَقْنا زَوجينِ لعّلكم تَذَكّرون) له معنى الربوبية إذ لامربوب، و حقيقة الإلهيّة إذ لامألوه، و معنى العالم و لامعلوم، ليس منذ خلق استحقّ معنى الخالق، و لا من حيث أحدث استفاد معنى المُحدِث، لاتغيّبه "منذ"، و لاتدينه "قد"، و لاتحجبه "لعّل"، و لاتوقّته "متى " و لاتشمله "حين"، و لاتقارنه "مع"، كلّ ما فى الخلق من أثر غير موجود فى خالقه، و كلّ ما أمكن فيه ممتنع من صانعه. لاتجرى عليه الحركة و السكون، و كيف يجرى عليه ما هو أجراه، أو يعود فيه ما هو ابتدأه، إذاً لتفاوتت ذاته، و لامتنع من الأزل معناه، و لَمّا كان للبارى معني غير المبروء لو حُدّ له وراء لَحُدّ له أمام، و لو التمس له التمام لَلزمه النقصان، كيف يستحقّ الأزل م َن لايِمتنع من الحدث؟! و كيف ينشئ الأشياء من لايمتنع من الإنشاء؟! لو تعلّقت به المعانى لَقامت فيه آية المصنوع، و لتحوّل عن كونه دإلّا إلي كونه مدلولاً عليه ليس فى محال القول حجّه، و لا فى المسألة عنه جواب، لاإله إلّا الله العلىّ العظيم. ۶- الصدوق قال: حدّثنا علىّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رضى الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبى عبدالله الكوفى، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكى قال: حدّثنى الحسين بن الحسن قال: حدّثنى بكر بن زياد، عن عبدالعزيز بن المهتدى قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: كلّ مَن قرأ (قل هو الله أحد) و آمن بها