بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمین و الصّلاة والسّلام علی سیّدنا محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين
أصحاب العلم والفضيلة والاجتهاد السلام عليكم ورحمة الله
عالم اليوم هو عالم متعطش للمعرفة، لا ينبغي أن نبني عملنا وجهودنا ومؤتمراتنا على أفكار منخفضة المستوى هي في الأساس ترويجية وعامة. يجب أن نفكر في الفكر المتخصص الاسلامي. في عالم اليوم ، وهو عالم معقد ، الناس يبحثون كيف يمكن أن يمنحهم الدين التقدم ، وفي نفس الوقت يقربهم من الله ، لذلك يجب استخدام واجراء التعاليم الدينية بطريقة تقود الناس نحو الدين.
وهذه الوظيفة المهمة، هي وظيفة على عاتق النجف الأشرف وقم المقدسة.
يمكن لحوزتي قم والنجف أن تخلقا حركة علمية من خلال تفاعلهما وسوف يكون لهذا التفاعل صدى في العالم الإسلامي.
تبحث أجيال اليوم عن الجمال المعرفي لأنه جعلت تعقيدات الزمن وتحولات العصر الأجيال
يولون اهتماما للجمال المعرفي ويبحثون عنه، لا شك أن محاسن علوم أهل البيت (ع) تمتلك اتساعًا ونطاقًا وعمقًا لدرجة أن تفاعل الحوزتين فقط هو الذي يمكن أن يجعل هذه العلوم متاحة وفي متناول أجيال اليوم، وذلك بسبب أن كل حوزة لديها قدرات وطاقات وقابليات تتمكن بها أن تقوم بدور بناء في ذلك.
من الأفكار المشتركة في كلتا الحوزتين ضرورة تقريب المذاهب الإسلامية ، ولكل منهما أفكار ووجهات نظر وأساسيات وتجربيات مهمة في هذا المجال. فبسبب الحساسيات ، فإن تقريب المذاهب أولا وتقريب الشيعة مع الشيعة ثانيا يكونان في مثل هذه الحالة لا يمكن تحقيقهما إلا بوجود حضور نشط وعميق للنجف وقم.
خطت قم والنجف خطوات كبيرة في مجال تفسير القرآن ، ويمكننا أن نرى أن أعمال كل منهما لها سمات مهمة في العالم الإسلامي ، وقد فتحت كل منهما زوايا لتفسير القرآن وعلومه. في الظروف التي لا يمكن خلق استراتيجية الحياة الضرورية بدون القرآن، فمن الضروري أن تركز اللجان التفسيرية في الحوزتين على هذه القضية المهمة قدر الإمكان وأن تفعل ذلك بشكل عاجل وجدي.
تتمتع قم اليوم بتجارب كبيرة في مجال فلسفة الشريعة وفلسفة الدين وفلسفة الفقه وخطت خطوات كبيرة في مسار المنهجية. إذا اختلطت أصالة النجف مع التجربة العلمية في قم، فيمكن للفقه أن يقف على أسسه المتينة ، كما يمكن أن يكون له حركة أكثر دقة ، ويستجيب لعطش أجيال اليوم ، ويقدم إجابات لمجالات الحياة المهمة.
عاشت شخصيات الأصول الثلاث المحقق النائيني والمحقق الاصفهاني والمحقق العراقي في النجف، واليوم يمكن لحوزتي النجف وقم أن تضع هذه المدارس الأساسية المهمة ذات الطاقات الفكرية المنهجية على طريق النمو والازدهار.
كل من قم والنجف لديهما شخصيات عظيمة لها مدارس فكرية مهمة ، ولا تزال جملة منها غير معروفة حتى لأجيال الحوزة ، ناهيك عن الأجيال خارج الحوزة. ومن الطرق أنه في كل مرة ينبغي أن يتم الاتفاق على إبراز أفكار أحد هذه الشخصيات ، إما في قم أو في النجف ، بحيث يتم إبراز مخرجات أفكاره وأفكاره المجهولة أكثر فأكثر.
اليوم يتجه هذا المؤتمر نحو تسليط الضوء على أعمال وأفكار
العلامة السيد محمد مهدي الخرسان، ولابد ان نعترف أننا من خلال هذا المؤتمر ، أصبحنا على دراية بعمق شخصية هذا العالم العظيم.
العلامة الخرسان هي واحدة من أعلام نقد الحديث ونقد التاريخ. في الأساس ، يجد التاريخ والحديث ديناميكية ونشاطًا وأصالة وواقعية وحركة من خلال النقد، ونحن متعطشون للنقد.
يأتي علامه الخرسان في الصدارة من حيث النقد ، سواء في منهج النقد ، أو في مضمون النقد ، أو في مخرجات النقد ، يمكن الاستعانة بهذه الشخصية العظيمة ، إذا تتمكن حوزتا قم والنجف من تنشيط مدرسته النقدية ، فسوف بامكان هاتين الحوزتين أن تخطوا العديد من الخطوات في هذا المجال.
هنا اقترح أن تعقد مؤتمرات تتعلق بأفكار الملا صدرا وعلامة طباطبائي ومحاغة النعيني وعلامة شهيد الصدر. إذا ركز منطقتا قم والنجف على هذه المؤتمرات ، فيمكنهما خلق أفكار مهمة يحتاجها العالم الإسلامي اليوم ووضعها على طريق الفهم والمعرفة ومنهج العلوم الإسلامية.
حضر علماء من قم للمشاركة في هذا المؤتمر ، وتم تقديم مقالات جيدة للغاية عن شخصيات النجف وقم ، وهذه الفرصة متاحة لنا للتعريف بشخصية خرسان في عالم اليوم كنموذج للبحث في المجال حول التاريخ والحديث والكلام.
النجف لها مخرجات في جميع المجالات، يجب ألا ندع هذه المخرجات العلمية العظيمة للنجف كي تُهمل، ولقد قدمت هذه الحوزة دوراً أساسياً في إدارة المجتمع العراقي الحالي.
استطاعت المرجعية في النجف أن تكون عاملاً مهماً في السيطرة على الأزمات في العراق ، المرجعية هي مرساة، المرجعية هي عامل الوحدة ، المرجعية هي بؤرة الزكاء والوعي والفهم، المرجعية هي عامل تشكيل المسارات الصحيحة التي تتحكم بالاختلافات.
السلام عليك يا أمير المؤمنين كل هذه الحوزة مع ما لها من أفكار عظيمة مع ما لها من هذا التراث الفخيم العظيم كلها ببركتك ونحن
مطمئنون بأن بركة الامام علي بن أبي طالب (ع) سوف تزداد وتتصاعد بحيث تتجلى في العالم كله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحرير عربى درس فقه محيط زيست (٥٥)
بسم الله الرحمن الرحیم
🟫 خلاصة الجلسة السابقة:
قلنا إنه توجد تجاه الحديث النبوي عدة مواقف، وقد ذكرنا الموقف الأول منها، وهو القائل بأن الرواية النبوية ناظرة إلى الإباحة الأولية (تلك الإباحة التي تنتقض بعروض الوجه المملك) وقلنا إن هذا القول للشهيد الثاني وصاحب الجواهر.
وقد ناقشنا هذا الموقف بأن كلام النبي الأكرم صلی الله علیه وآله (الناس شركاء...)، يتمتع بصياغة تظهر بقوة في كونه في مقام إعطاء إباحة إضافية للماء أكثر من الإباحة الأولية، ومن جهة أخرى هناك قرائن ثلاثة تؤيد ذلك؛ أي: انه (ص) كان نظره إلى إباحة إضافية للماء.
🟫هذه خلاصة الدرس السابق، وأما درس الجديد فنقدم محتوياته أدناه:
⬅️ الموقف الثاني: القول بالإباحة الدائمة للمياه، إلا في حالة واحدة:
وهذا للكاساني صاحب بدائع الصنائع والسمرقندي صاحب تحفة الفقهاء وجمع آخر من فقهاء أهل السنة.
⬅️ نقل كلام الكاساني والسمرقندي:
نذكر نص كلام هذين الفقيهين الحنفيين، وطبعا نص كل منهما في ذلك طويل، ونحاول أن نذكر ما هو ضروري، وعباراتهما تعطينا منطق هذا الموقف بوضوح، لذلك ينبغي الالتفات إليها.
🔹️ أما الكاساني فيقول:
"المياه أربعة أنواع: الأول الماء الذي يكون في الأواني والظروف، والثاني الماء الذي يكون في
الآبار والحياض والعيون. والثالث ماء الأنهار الصغار التي تكون لأقوام مخصوصين. والرابع ماء الأنهار العظام كجيحون وسيحون ودجلة والفرات ونحوها ....
أما الأول فهو مملوك لصاحبه لاحق لا حد فيه لأن الماء وإن كان مباحا في الأصل لكن المباح يملك بالاستيلاء إذا لم يكن مملوكا لغيره كما إذا استولى على الحطب والحشيش والصيد فيجوز بيعه كما يجوز بيع هذه الأشياء وكذا السقاؤون يبيعون المياه المحروزة في الظروف به جرت العادة في الأمصار وفى سائر الأعصار من غير نكير فلم يحل لا حد أن يأخذ منه فيشرب
من غير اذنه ....
وأما الثاني الماء الذي يكون في الحياض والآبار والعيون فليس بمملوك لصاحبه بل هو مباح في
نفسه سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة لكن له حق خاص فيه لأن الماء في الأصل خلق مباحا لقول النبي عليه الصلاة والسلام الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار والشركة العامة تقتضي الإباحة الا أنه إذا جعل في إناء وأحرزه به فقد استولى عليه وهو عليه وهو غير مملوك لاحد فيصير مملوكا للمستولي كما في سائر المباحات الغير المملوكة وإذا لم
يوجد ذلك بقي على أصل الإباحة الثابتة بالشرع فلا يحوز بيعه لان محل البيع هو المال المملوك وليس له أن يمنع
الناس من الشفة وهو الشرب بأنفسهم وسقي دوابهم منه لأنه مباح لهم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن منع نبع البئر وهو فضل مائها الذي يخرج منها فلهم ان يسقوا منها لشفاههم ودوابهم فاما لزروعهم وأشجارهم
فله ان يمنع ذلك لما في الاطلاق من ابطال حقه أصلا.....
وأما الثالث الماء الذي يكون في الأنهار التي تكون لأقوام مخصوصين فيتعلق به أحكام بعضها يرجع إلى نفس الماء
وبعضها يرجع إلى الشرب وبعضها يرجع إلى النهر أما الذي يرجع إلى نفس الماء فهو انه غير مملوك لاحد لما ذكرنا أن الماء خلق مباح الأصل بالنص وإنما يأخذ حكم الملك بالاحراز بالأواني ....
وأما الأنهار العظام كسيحون ودجلة والفرات ونحوها فلا ملك لاحد فيها ولا في رقبة النهر وكذا ليس لأحد حق خاص
فيها ولا في الشرب بل هو حق لعامة المسلمين فلكل أحد أن ينتفع بهذه الأنهار بالشفة والسقي وشق النهر منها إلى
أرضه بان أحيا أرضا ميتة باذن الامام له أن يشق إليها نهرا من هذه الأنهار..." (بدائع الصنائع ٦/ ١٨٨ إلى ١٩٢).
🔹️وأما السمرقندي فيقول:
إن المياه أنواع أربعة:
ماء مملوك: وهو ما أحرز في الأواني. وحكمه حكم سائر الاملاك ليس لأحد فيه حق، ولا يحل لاحد أن يأخذه، ولا أن يشربه إلا عند الضرورة
القاتلة، بأن أصابه العطش على وجه يهلك فيباح له الاخذ والشرب.... والثاني: الماء الذي يكون في البئر والحوض والعين المملوكة له فهو حق خاص له، كالمملوك، لكن لعامة الناس حق الشفة من هذا الماء، حتى يشرب بنفسه، ويأخذ الماء لنفسه ولمواشيه، وليس لصاحب الماء حق المنع، وهو معنى قوله عليه السلام: الناس شركاء في الثلاث: في الماء والكلأ والنار. ولكن لو أراد أحد أن يسقي زرعه من ذلك الماء، لا يجوز له ذلك،
ويمنعه السلطان عنه. لان هذا يبطل حقه، لأنه لو أطلق هذا، لشاركه فيه كل من يمكنه سقي أرضه منه، فيبطل حقه أصلا.
والثالث: أن يكون نهرا مشتركا بين جماعة محصورة، حتى يثبت الشفعة بسبب الشركة فيه كان لهؤلاء الشركاء حق السقي بقد شركتهم في النهر، وليس لغيرهم حق السقي للمزارع والأشجار، إنما لهم حق الشفة.
والرابع: الأنهار العظام، كالفرات والدجلة والجيحون وغيرها فلا حق لاحد فيها، على الخصوص، بل هو حق العامة فكل من يقدر على سقي أراضيه، منها فله ذلك.
(تحفة الفقهاء ٣/ ٣١٧ و ٣١٨).
⬅️ توضيح الموقف:
🔹️أولا: بحسب هذا الرأي، يكون الناس دائمًا شركاء في الماء، إلا في مورد واحد، وهو ما إذا أحرز الماء في إناء، فإنه هو ملك المحرز.
وعليه فالحكم في الماء هو الإذن للناس باستعماله والاستفادة منه في جميع الأحوال إلا في هذا المورد.
وكما تبين، انّ دوام إباحة المياه يعني ليست هذه الإباحة خاصة بالظروف الأولية التي يعبر عن الإباحة فيها بالإباحة الأولية، (والتي تنتقض بعروض السبب المملك)، بل هي إباحة مستدامة لا ينقضها أي سبب مملك.
🔹️ثانيا: إن استثناء الماء المحروز في إناء أو جرة للشرب (أي: الحكم بملكيته للمحرز)، مبني على دليل يعبر عنه في الأدبيات الشيعية بدليل سيرة العقلاء.
تعبير الكاساني هو هذا:
"به جرت العادة في الأمصار وفى سائر الأعصار من غير نكير".
🔹️ثالثاً: السؤال الموجه الى هذا القول هنا هو أن النبي (ص) عندما أثبت الشراكة للناس، فهو بذلك أثبت حق الانتفاع من الماء لكل الناس. بطبيعة الحال، فإن إثبات حق الانتفاع لجميع الناس يعني نفي ملكية المياه، والسؤال: ما هو الفرق بين المياه الكبيرة حيث يكون حق الانتفاع ثابتة للجميع بالنسبة إليه من دون ثبوت حق الاختصاص لأي شخص، ولكن مقارنة بمياه المجاري الصغيرة أو البرك، أولاً حق الانتفاع للناس ليس في نفس المستوى، فعلى سبيل المثال د، لا يمكنهم ري الزراعة، وثانيا: من أين يأتي الحق الاختصاص للمجموعة التي بيدهم المياه؟ ما هو دليلهم على ثبوت هذا الحق الذي هو شبه الملك؟
1_1811419122.MP3
15.46M
فقه محيط زيست (٥٦)
401/07/23
@manhajah
تحرير عربى درس ٥٦ فقه محيط زيست
بسم الله الرحمن الرحيم
🔺️خلاصة الجلسة السابقة:
ذكرنا:
أولاً: ثلاث وجهات نظر حول تفسير الرواية النبوية: ١. وجهة نظر الشهيد الثاني وصاحب الجواهر ٢. وجهة نظر بعض فقهاء المذهب الحنفي. ٣. وجهة نظر قلنا هي شاذة.
ثانياً: أضفنا كلمة في أدبيات المسئلة لتوضيح الفاصل والفارق بين هذه وجهات النظر الثلاثة، (مع وجهة النظر الرابعة والتي هي للشيخ الطوسي والشهيد الصدر)، وهي الكلمة الإباحة المستدامة.
ثالثاً: قلنا إن أتباع وجهة النظر الثانية، لا يقبلون أن يكون الحيازة كسبب مملك ينتهي بحالة إباحة الماء.
رابعاً: قلنا إنهم وافقوا في حالة واحدة على كون الحيازة سبباً للملكية، وهي ما إذا تم وضع الماء في ظرف عادي للاستخدام الشخصي والعائلي.
🔺️أما بحث هذه الجلسة:
إن كلمة إستدامة المياه، حيث إنها كلمة مفتاحية للتفرقة بين وجهات النظر، فمن اللازم أن نتوقف حولها كي نزيد من التدقيق والتحليل لمعناها حتى نستطيع تحديد الاختلاف بالضبط بين هذه الآراء، ونفهم الفرق بينها من جميع الجهات؟ وانه إلى أي اتجاه يسير كل رأي من هذه الآراء؟ وما هي النتائج المترتبة على كل رأي؟
هذا الاستعراض يتم في التقسيم التالي.
🔺️ تقسيم استدامة الإباحة الى نوعين:
يمكننا النظر في نوعين من استدامة الإباحة:
⏮ النوع الأول: استمرارية الإباحة لمياه الأنهار والعيون والبحار عندما كانت هذه المياه في مواقعها (أي في هذه الأنهار والعيون والبحار نفسها).
إذا أردنا أن نفهم هذا بشكل أفضل، علينا أن ننظر إلى أرض الموات، فنقول: هي (أي: أرض الموات) تكون بصورة عندما نفصل قطعة عنها تتكوّن ملكيتها بسبب هذه الحيازة.
ولكن مثل ذلك لا يأتي بالنسبة لمستقر المياه الطبيعية؛ بمعنى أن النهر مثلاً لا يمكن فصل قطعة واحدة عنه كما نفصل قطعة من أرض الموات.
فكيان النهر باستمراريته، واستمراريته تأبى أن تنفصل عنه قطعات.
نعم هناك طريقة أخرى للحيازة فيما يتعلق به - أي: النهر- وهو أن يتم عن طريق فصل قطعة من الماء لا فصل قطعة من النهر نفسه.
فالأرض الموات تقبل التبعض بخلاف النهر أو العين.
من هنا يمكن توجيه إشكال الى الشهيد الثاني وهو ان الذي تحدث عنه من جعل الأنهار والعيون كأرض الموات من حيث عروض الوجه المملك وسببيته لوقوع المملوكية، لا يوجد لذلك معنى دقيق لهذا التنظير؛ حيث إن هناك فارقا اساسيا بين الموردين؛ بمعنى أن أرض الموات تقبل التبعض بالحيازة بخلاف مثل النهر الذي لا يتصور الحيازة بالنسبة اليه الا باخذ الماء منه لا بنزع جزء منه كنهر.
لهذا السبب، (بشكل أساسي)، طالما أن الماء يتدفق في مجراه ويبقى في مكانه الذي هو النهر ، فلا حيازة للماء، بل اباحته مستدامة في هذه الحالة، فبالتالي، لا يتم الحيازة بالنسبة للنهر نفسه ، بل يتم بالنسبة لمياهه ، وهذا مخالف للوضع الذي يتم إجراؤه بالنسبة للأرض الموات.
فالتنظير غير صحيح؛ أي: هذه التنظير الذي قام به الشهيد الثاني.
لذلك لا مفر من قبول أنه ما دام الماء في مكانه ويعتبر كجزء من النهر ، فهذا الماء لا يقبل الحيازة.
وعليه فالنهر متاح ومباح دائمًا لجميع الناس ، على عكس الأرض ، التي تملك ما تأخذه منها.
بالطبع عندما نقول أن مجرى المياه غير مقسم فإننا لا نعني الفصل المادي ، لأن العديد من الحكومات قد تفعل ذلك وتستولي عليه ، المعنى هو أنه من وجهة نظر عقلائية وارتكازية ( والشريعة جاءت أيضًا وأكدتها وأثبتتها) ، في إطار هذا الرأي ، فإذا كان النهر يفترض أن يكون للجميع ، فلا يمكن لأحد أن يأتي ويتولى زاوية منه وفي نفس الوقت يمكن أن يكون النهر للجميع.
🔻 ومن هنا ، نتفطن لنقطة أساسية وهي أنه عندما تقول الشريعة أن الناس دائمًا شركاء في الماء، أي في هذا النهر ، طالما أنه نهر ، فإن ما يجعله نهرا لا يمكن امتلاكه. نعم قد نأخذ هذه المياه ونستخدمها ، مما يعني أن هذه المياه هي مكان للشراكة كنهر ، وبشكل أساسي ، لم يعد الامتلاك يذهب إلى النهر.
فالنهر نهر للناس دائما، والبحر بحر للناس دائمًا ، وهذا هو معنى الناس شركاء لجميع الناس، هذا هو ما يعنيه.
⏮ النوع الثاني: الإباحة للمياه المتفرعة والمفصولة:
أي بعد أن اعتبرنا الإباحة للمياه في مقرها، فهل نقول ببقاء هذه الاباحة للمياه بعد فصلها؟ أي: إننا عندما فصلنا الماء فهل هو تبقى إباحته؟ وهل الشريعة بعد فصل الماء ما زالت تقول بكونه مباحا؟
بالطبع، هناك طرق مختلفة لأخذ وتجميع المياه، أحيانًا يتم بناء قناة، وأحيانًا يتم إنشاء مجرى مائي، وأحيانا تنشأ حياض ويملأونها بالمياه، وأحيانًا يأخذون الماء بأوعية عادية . والسؤال هل هذه الإباحة التي كانت للمياه (عندما كانت في مقرها) تبقى بعد نزعها؟ أو لا تبقى؟ أو هناك التفصيل؟
وهذا أيضا نوع من الاستمرارية ، والاستدامة هنا أيضا تعبير توضيحي لأن الماء قبل نزعه كان مباحا، فهل تستمر هذه الإباحة أم لا؟ فنحن أمام نوعين من الاستمر
ارية والاستدامة؟
بالنسبة للنوع الأول، فمن الواضح جدًا أنه لا يمكننا نفي استدامة الاباحة على الإطلاق، لأنه في الأساس ، عندما تكون المياه في مكانها ، لا يمكن أن تكون مملوكة، وهذا امر عقلائي.
🔻والسؤال المطروح هنا هل هذان الفقيهان الحنفيان (الذين ذكرنا كلامهما) يعتقدان بهذا النوع الثاني من استدامة الاباحة أم لا؟
الجواب نعم ، هذا هو ما يقولانه في الأساس ، يعتقدان إن المياه داخل البركة وأي قناة يتم إنشاؤها لأخذ المياه من النهر والينبع، وما إلى ذلك ، لا يمكن امتلاك هذه المياه، وهذا هو استدامة اباحة الماء.
نعم ما يفعله الشخص في إنشاء القناة أو البركة وتوجيه الماء نحوها، فان ذلك يعطي الفاعل حق الاختصاص.
إنهما يعتقدان بامتلاك الماء في حالة واحدة فقط ، وهي عندما وضع أحد الماء في إناء أو جرة ، وكما قلنا من قبل ، قالا جعل هذا مملوكا من العادة البشرية. في الواقع ، فإن الحديث النبوي يشمل كل مورد ما عدا هذا بسبب هذه العادة.
🔻 إذا أردنا تفسير هذه العادة من حيث التقنية العلمية ، يجب أن نقول إن سيرة العقلاء تقوم على تفاعل الملكية مع هذا الماء المحرز في الأواني.
فعندما يأتي نص وتوجد سيرة عقلانية ، فإن النص يعمل في إطار النظر إلى تلك السيرة الذاتية.
وعلى أي حال هما يعتقدان باستدامة إباحة المياه بعد فصلها من الأنهار، بخلاف الشهيد الثاني وصاحب الجواهر فإنهما لا يعتقدان بها بل يعتقدان بصيرورة المياه بعد فصلها (الحاصل بقصد الحيازة) مملوكة للحائز.
🔻أما وجهة النظر الثالثة، فذهبت إلى استدامة الإباحة بشكل مطلق، ولم تقبل هذا الاستثناء الذي قبلته وجهة النظر الثانية، ورأت أن كل المياه هي مكان شراكة الناس ، وأبدى السرخسي نوعًا من الرغبة المصحوبة مع الشك الى هذا الرأي.
فأصحاب هذا الرأي لم يعتبروا "جريان العادة" أو لا يعتبرون أنه يمنع عن شمول الحديث النبوي للماء المحرز في الأواني.
🔻وهنا من اللازم عرض وجهة النظر الرابعة بالنظرة التحليلية المبنية على هذا المعيار (استدامة الإباحة) لتوضيح الفرق بين وجهة النظر هذه (التي تتعلق بالشيخ الطوسي والشهيد الصدر) ووجهات النظر السابقة.
1_1862946645.MP3
17.17M
فقه محيط زيست (۵۸)
401/07/۳۰
@manhajah