💠همراهی و در تربیت اسلامی 🔰علامه طباطبایی 🔸من المعلوم بالقياس و يؤيده التجربة القطعية أن العلوم العملية- و هي التي تتعلم ليعمل بها- لا تنجح كل النجاح و لا تؤثر أثرها الجميل دون أن تلقى إلى المتعلم في ضمن العمل، 🔸لأن الكليات العلمية ما لم تنطبق على جزئياتها و مصاديقها تتثاقل النفس في تصديقها و الإيمان بصحتها لاشتغال نفوسنا طول الحياة بالجزئيات الحسية و كلالها بحسب الطبع الثانوي من مشاهدة الكليات العقلية الخارجة عن الحس فالذي صدق حسن الشجاعة في نفسها بحسب النظر الخالي عن العمل ثم صادف موقفا من المواقف الهائلة التي تطير فيها القلوب أدى به ذلك إلى النزاع بين عقله الحاكم بحسن الشجاعة و وهمه الجاذب إلى لذة الاحتراز من تعرض الهلكة الجسمانية و زوال الحياة المادية الناعمة فلا تزال النفس تتذبذب بين هذا و ذاك، و تتحير في تأييد الواحد من الطرفين المتخاصمين، و القوة في جانب الوهم لأن الحس معه. 🔸فمن الواجب عند التعليم أن تتلقى المتعلم الحقائق العلمية مشفوعة بالعمل حتى يتدرب بالعمل و يتمرن عليه لتزول بذلك الاعتقادات المخالفة الكائنة في زوايا نفسه و يرسخ التصديق بما تعلمه في النفس، لأن الوقوع أحسن شاهد على الإمكان. 🔸و لذلك نرى أن العمل الذي لم تعهد النفس وقوعه في الخارج يصعب انقيادها له فإذا وقع لأول مرة بدا كأنه انقلب من امتناع إلى إمكان و عظم أمر وقوعه و أورث في النفس قلقا و اضطرابا، ثم إذا وقع ثانيا و ثالثا هان أمره و انكسر سورته و التحق بالعاديات التي لا يعبأ بأمرها، و إن الخير عادة كما أن الشر عادة. 🔸و رعاية هذا الأسلوب في التعليمات الدينية و خاصة في التعليم الديني الإسلامي من أوضح الأمور فلم يأخذ شارع الدين في تعليم مؤمنيه بالكليات العقلية و القوانين العامة قط بل بدأ بالعمل و شفعه بالقول و البيان اللفظي فإذا استكمل أحدهم تعلم معارف الدين و شرائعه استكمله و هو مجهز بالعمل الصالح مزود بزاد التقوى. 🔸كما أن من الواجب أن يكون المعلم المربي عاملا بعلمه؛ فلا تأثير في العلم إذا لم يقرن بالعمل لأن للفعل دلالة كما أن للقول دلالة فالفعل المخالف للقول يدل على ثبوت هيئة مخالفة في النفس يكذب القول فيدل على أن القول مكيدة و نوع حيلة يحتال بها قائله لغرور الناس و اصطيادهم. 🔸و لذلك نرى الناس لا تلين قلوبهم و لا تنقاد نفوسهم للعظة و النصيحة إذا وجدوا الواعظ به أو الناصح بإبلاغه غير متلبس بالعمل متجافيا عن الصبر و الثبات في طريقه، و ربما قالوا: «لو كان ما يقوله حقا لعمل به» إلا أنهم ربما اشتبه عليهم الأمر في استنتاج منه فإن النتيجة أن القول ليس بحق عند القائل إذ لو كان حقا عنده لعمل به، و ليس ينتج أن القول ليس بحق مطلقا كما ربما يستنتجونه. 🔸فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلم المربي نفسه متصفا بما يصفه للمتعلم متلبسا بما يريد أن يلبسه، فمن المحال العادي أن يربي المربي الجبان شجاعا باسلا، أو يتخرج عالم حر في آرائه و أنظاره من مدرسة التعصب و اللجاج و هكذا. 🔸فلذلك كله كان من الواجب أن يكون المعلم المربي ذا إيمان بمواد تعليمه و تربيته. 🔸على أن الإنسان الخالي عن الإيمان بما يقوله حتى المنافق المتستر بالأعمال الصالحة المتظاهر بالإيمان الصريح الخالص لا يتربى بيده إلا من يمثله في نفسه الخبيثة فإن اللسان و إن أمكن إلقاء المغايرة بينه و بين الجنان بالتكلم بما لا ترضى به النفس و لا يوافقه السر إلا أن الكلام من جهة أخرى فعل و الفعل من آثار النفس و رشحاتها، و كيف يمكن مخالفة الفعل لطبيعة فاعله؟ 🔸فالكلام من غير جهة الدلالة اللفظية الوضعية حامل لطبيعة نفس المتكلم من إيمان أو كفر أو غير ذلك، و واضعها و موصلها إلى نفس المتعلم البسيطة الساذجة فلا يميز جهة صلاحه- و هو جهة دلالته الوضعية- من جهة فساده- و هو سائر جهاته- إلا من كان على بصيرة من الأمر، قال تعالى في وصف المنافقين لنبيه (ص): «وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ»: سورة محمد:۳۰ 🔸فالتربية المستعقبة للأثر الصالح هو ما كان المعلم المربي فيها ذا إيمان بما يلقيه إلى تلامذته مشفوعا بالعمل الصالح الموافق لعلمه، و أما غير المؤمن بما يقوله أو غير العامل على طبق علمه فلا يرجى منه خير. 🔸و لهذه الحقيقة مصاديق كثيرة و أمثلة غير محصاة في سلوكنا معاشر الشرقيين و الإسلاميين خاصة في التعليم و التربية في معاهدنا الرسمية و غير الرسمية فلا يكاد تدبير ينفع و لا سعي ينجح. 📚تفسير المیزان ج۶ ص۲۵۹ @fater290