لقاءٌ في الملَكوت ضربات قوية تجتاح مسمعي لم أعرف مصدر الصوت الذي خيّم على المكان جلّ ما علمته أن مشاعر متخبطة جالت في بدني تُصارعني على المضي نحو مكان ما تفوح منه رائحة مسك طيبة تصلني رغم أنني بعيدة جداً عنه، لحظة في إثر لحظة بدأ يتضح الأمر لي أنا في طريق طويل صحراوي ولكن تداعب أرضه بعض واحات المياه الباردة التي تخفف من حرارة الصيف الملتهب وعلى جانبيّ يمشي أشخاص طيبون يبكون تارة ويضحكون أخرى في ملامحهم حزن دفين مُزج مع صبغة تكوينهم بأداة اسمها الحب، طيور بيضاء حلقت فوق رأسي بهيّة وناصعة ذكرتني بالتي شاهدتها في ساحات الصحن المبارك عند مولاي الرؤوف، جال هذا في خاطري فهدأ روعي وسكن معه صوت الضربات التي كان مصدرها شعوري المرهف كأنني في إجازة بين السماء والأرض معلقة بحبل العشق الذي بسببه جئت أمشي هنا متجهةً نحو الشمس والقمر تسكن في جيب عباءتي الخفيّ صورة عمار الذي حلم كثيراً بزيارة كربلاء ولم يتح له ذلك أتحسسها بين الحين والآخر واطمأن بأنني أُكمل حلم شهيد، في حلقي تعلق غصة مؤلمة كأنني أريد أن أروي آية شوقي للحسين على مسامع شخصٍ واحد تمنيت كثيراً أن ألمحه بين المشايّة وأطفئ جمر قلبي الملتهب على فراقه أن أحكي له عن انصهار دمعي مراراً داخل مقلتيّ لبعده عنيّ، كنت أرغب بقصّ رحلة زيارتي لمولاتي زينب(ع) له وإخباره بالحلم الذي راودني عندما غفوت في حضرة الإمام الرِّضا، الحلم الذي بسببه جئت هُنا زائرة حيث أخبرني الفارس في الرؤيا وهو يمتطي ظهر جواده بأن مولاي الحسين قد قبل طلبي وأذن لي بالزيارة بشرط واحد أن يحضر قلبي عنده قبل جسدي وأن أحمل له من بلد أخته زينب ياسمينة بيدي يومها صحوت على تراتيل دعاء كميل تصدح في ثنايا فيروز الحرم الكريم ترافقها ريح مشهد تصفر في موضع قلبي الخاوي.  اجتاحتني رغبةٌ عارمة بالبكاء لأن يد صاحب الزمان الحانية لم تطل رأسي بعد وعينه الرحيمة تنظرني من خلف الحُجُب فقط ولكن أين أبكي والخلائق حولي تطالعني أين أخلو بخالقي فرفعت كفيّ داعية وفي إصبعي خاتم فيروز يتلألأ كأنما منه قبة الرّضا لاحت لفؤادي التائه فتفطّر وطويت له الأرض فصار هناك يغسّل نفسه من حوض الأنيس ويستعد لسفر إلى البقيع كأنما هو في أطوار متتالية غسلٌ وتطيب ونقاء يلقاه على عتبة الصبورة زينب وهكذا حتى يزور كل المعصومين ويستقر في يد مولاي الحُجّة فتدنو نفسي منه طالبةً إياه على استحياء فيمسحُ على الرأس ليعود العقل ويستقر القلب في موضعه ويبتسم لها بحنان فتشكره آمرة الجسد بإنهاء البرهة الفاصلة بين حياتي وموتي وحث الخُطى نحو الحُسين، فتحت عينيّ على أثر شهقة ضربت أوصال جسدي المنهك من طول المسير العذب وأكملت قاصدة المنارة التي صارت قبالتي تماماً الآن تركت الموكب وتجاهلت الخدام الذين يمدون أياديهم لي بالماء فقد وعدت العقيلة أن أرتوي بدلاً عنها من قِربة السّقاء، دلفت صحن العباس ولا أدري كيف حملتني قدماي للشباك الشريف الذي يطوف حوله الماء فشربت حتى امتلأت كل خلية في جسدي بالوفاء وانطلقت نحو الحسين فُتح لي طريقٌ من بين وفود الزائرين والتقت روحي بروحه هناك يدي على الشباك تحمل ياسمين الشام وجسدي ملتصقٌ بالمكان لا يود الفراق أبداً...وفجأةً صحوت من نومي على صوت آذان الصبح من المسجد القريب لمنزلي متعبة من مشيي آلاف الخطوات في رؤياي بيدي زهرة ياسمين وعلى ثيابي رائحة مسكٍ أشبه برحيق الجنة... الاسم: راما محمد شحادة العنوان: حلب(نبّل\ الحي الجنوبي)